والذين آمنوا أشد حباً لله
[size=21]
يقول الله تعالى في محكم تنـزيله وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَاداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبّاً لِلَّهِ)(البقرة:
من الآية165)
إن الله تعالى لما أعطاك الإيمان فضلاً ومنَّة ونعمة منه صار قلبك مزرعة لحبه سبحانه وبيَّن جل شأنه مدى حب المؤمنين لله عز وجل بقوله سبحانه : وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبّاً لِلَّهِ)فما
أشرف قلبك وما أعظمه الذي زرع فيه حب الله ؛ ولما أحببته أحبك ؛ ولما أحبك حبَّبك إلى أحبابه جل وعلا ورفع شأنك وذكرك في الملأ الأعلى وهذا قوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا
وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدّاً) (مريم:96)
أي حباً ثابتاً في قلوب الخلائق كلها ؛ فهو سبحانه يحبهم ، ويلقي محبتهم في أهل السماوات وأهل الأرض ؛ فقد أورد الإمام البخاري في صحيحه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :
إن الله إذا أحب عبداً دعا جبريل فقال : إني أحب فلاناً فأحبه ؛ فيحبه جبريل ؛ ثم ينادي جبريل في السماء فيقول : إن الله يحب فلاناً فأحبوه فيحبه أهل السماء ـ فتسمع ذلك القلوب
والأرواح ولا تنكر هذا ؛ لأن هذا يمر على قلبك وتنساه كما تنسى ما تراه في منامك ؛ وصدق خبر من لا ينسى صلى الله عليه وسلم ـ ثم يوضع له القبول في الأرض ؛ وإذا أبغض عبداً
دعا جبريل فيقول : إني أبغض فلاناً فأبغضه ، فيبغضه جبريل ، ثم ينادي في أهل السماء : إن الله يبغض فلاناً فأبغضوه ، ثم توضع له البغضاء في الأرض ـ ثم قرأ رسول الله صلى الله
عليه وسلم : (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدّاً) (مريم:96)
وإن من أحبه الله تعالى وحبَّبه إلى أحبابه فقد ضمن له سعادة الأبد ؛ وحاشاه سبحانه أن يسلبه صالح ما أعطاه من إيمان وغيره .
ولما آمنت برب العالمين شرفك بعبادته ، وطالبك بها حتى يصبغك بالصبغة الإيمانية النورانيةصِبْغَةَ اللَّهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ صِبْغَةً وَنَحْنُ لَهُ عَابِدُونَ) (البقرة:138) أي : ونحن أمة
سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم العابدون لله حق عبادته .
يقول الشيخ الإمام عبد الله سراج الدين : هذه الصبغة الإيمانية الربانية تنصبغ بها الحواس والمدارك والقلب والروح ويظهر ذلك جلياً في الآخرة : (يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ 000)
(آل عمران:106) فالأعضاء السبعة التي تشرفت بالسجود لله تعالى صار لها حصانة من العذاب ونوراً يميزها ويرشد إليها يوم القيامة ؛ حتى لو ارتكب المؤمن المصلي ذنوباً ومات
ولم يتب ولم يتطهر منها في برازخ الآخرة ؛ ولم تنله شفاعة الشافعين وأعظمهم سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ؛ ثم دخل ذلك المصلي إلى جهنم ليتطهر من تلك الذنوب فإن النار لا
تأتي على الأعضاء التي سجد عليها لله تعالى ؛ وإن ملائكة العذاب لتعرفه بذلك وفي الحديث الذي رواه الإمام البخاري في صحيحه في باب فضل السجود، ورواه أيضاً الإمام مسلم في
صحيحه في باب معرفة طريق الرؤية : 000وإن الله تعالى حرَّم على النار أن تأكل مواضع السجود من بني آدم .
قال الإمام ابن حجر العسقلاني في فتح الباري لشرح صحيح البخاري : وقيل ليس ذلك لكل من وحَّد وعبد بل يختص بمن اخلص والإخلاص يقتضي تحقيق القلب بمعناها ولا يتصور
حصول التحقيق مع الإصرار على المعصية لامتلاء القلب بمحبة الله تعالى وخشيته فتنبعث الجوارح إلى الطاعة وتنكف عن المعصية والله أعلم.
وأعضاء السجود مصبوغة بنور الله ؛ ولا تأتي النار على قلب المؤمن لأن فيه الإيمان بالله تعالى ؛ وأما الكافر فإن النار تَطّلِع على فؤاده نَارُ اللَّهِ الْمُوقَدَةُ) (6)الَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى الْأَفْئِدَةِ)
(الهُمَزة:7)
ولما شرَّفك الله تعالى بالإيجاد ، وبعبادته والصلاة والسجود له فقد شرَّفك أيضاً بالتقرب إليه فقد قال جل شأنه : (000 وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ) (العلق:19)
وكما في الحديث الذي رواه الإمام مسلم في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد فأكثروا الدعاء0
ولما وفقك سبحانه للإيمان فقد شرَّفك بذكره ؛ وحين تذكره يذكرك قال الله تعالى : (فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ) (البقرة:152)
وإذا كان ذكرك لله تعالى شرف عظيم ؛فإن ذكره لك سبحانه أعظم وأكبر ، ولا مناسبة بين ذكرك له وذكره لك قال جل شأنهوَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ )(العنكبوت: من الآية45)
وفي الحديث القدسي الذي يرويه النبي صلى الله عليه وسلم عن ربه : أنا عند ظن عبدي بي ، وأنا معه حين يذكرني ، فإن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي ، وإن ذكرني في ملأ ذكرته
في ملأ خير منه .
أورده الإمام البخاري في صحيحه في كتاب التوحيد ؛ والإمام مسلم في كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار.
والحديث القدسي: هو كل ما رواه النبي صلى الله عليه وسلم عن ربه عزّ وجل.
التقديس لغة : تنزيه الله تعالى، والتقديس: التطهير والتبريك، وتقدس: تطهر، ومنه: البيت المقدس؛ لأنه يتقدس فيه من الذنوب، أي يتطهر، وفي القرآن الكريم على لسان
الملائكة:وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ)(البقرة: من الآية30)
قال الإمام اللغوي أبو إسحاق إبراهيم بن السَّرِي الزجاج المتوفى سنة (311) هجرية : معنى نقدس لك، أي : نطهر أنفسنا لك، وكذلك نفعل بمن أطاعك، نقدسه: أي نطهره، وفي
الحديث الذي رواه الإمام الطبراني : لا قدست أمة لا يؤخذ لضعيفها من قويها.
أي: لا طهرت .
والحديث القدسي اصطلاحا: هو ما أضافه النبي صلى الله عليه وسلم إلى ربه من غير القرآن الكريم .
لأنه منسوب إلى النبي صلى الله عليه وسلم تبليغاً، وليس من القرآن بالإجماع، وإن كان كل واحد منهما قد بلَّغه النبي صلى الله عليه وسلم أمته عن الله عزّ وجل.
و الحديث القدسي معناه من عند الله ولفظه لفظ النبي صلى الله عليه وسلم ، وذلك لوجهين:
الوجه الأول: لو كان الحديث القدسي من عند الله لفظاً و معنى؛لكان أعلى سنداً من القرآن؛لأن النبي صلى الله عليه وسلم يرويه عن ربه تعالى بدون واسطة؛كما هو ظاهر السياق، أما
القرآن فنزل على النبي صلى الله عليه وسلم بواسطة أمين الوحي جبريل عليه السلام؛كما قال تعالى:: (نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ*عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ * بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ)
(الشعراء:193-195)
الوجه الثاني:أنه لو كان لفظ الحديث القدسي من عند الله تعالى ؛لم يكن بينه وبين القرآن فرق؛ لأن كليهما على هذا التقدير كلام الله تعالى،والحكمة تقتضي تساويهما في الحكم حين اتفقا
في الأصل.
ومن المعلوم أن بين القرآن الكريم والحديث القدسي فروق كثيرة:
القرآن : نزل به جبريل عليه الصلاة والسلام على نبينا محمد عليه الصلاة والسلام ، والوحي أنواع .
أما الحديث القدسي فلا يُشترط فيه أن يكون الواسطة فيه جبريل ، فقد يكون جبريل هو الواسطة فيه ، أو يكون بالإلهام ، أو بغير ذلك.
القرآن الكريم : مقسم إلى سور وآيات وأحزاب وأجزاء .
أما الحديث القدسي : فلا يُـقسّم هذا التقسيم .
القرآن الكريم : مُعجز بلفظه ومعناه .
أما الحديث القدسي : فليس كذلك على الإطلاق .
القرآن الكريم: لا تجوز روايته أو تلاوته بالمعنى .
أما الحديث القدسي : فتجوز روايته بالمعنى .
القرآن الكريم: كلام الله لفظاً ومعنى .
أما الحديث القدسي : فمعناه من عند الله ولفظه من عند النبي صلى الله عليه على آله وسلم.
القرآن الكريم: تحدى الله تعالى به العرب بل العالمين أن يأتوا بمثله لفظاً ومعنى وأما الحديث القدسي : فليس محل تحد .
و الحديث القدسي لا يتعبد بتلاوته،بمعنى أن الإنسان لايتعبد الله تعالى بمجرد قراءته؛فلا يثاب على كل حرف منه عشر حسنات،والقرآن يتعبد بتلاوته بكل حرف منه عشر حسنات.
و القرآن الكريم محفوظ من عند الله عزّ وجل؛ كما قال سبحانه: (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ) (الحجر:9) ؛ والأحاديث القدسية ليست كذل.
و القرآن الكريم لا تجوز قراءته بالمعنى بإجماع المسلمين، أما الأحاديث القدسية؛ فعلى الخلاف في جواز نقل الحديث النبوي بالمعنى والأكثرون على جوازه .
و القرآن الكريم تشرع قراءته في الصلاة، ومن لم يقرأ بفاتحة الكتاب فلا صلاة له فقد أورد ابن حجر العسقلاني في فتح الباري لشرح صحيح البخاري أن النبي صلى الله عليه وسلم
قال : لا صلاة إلا بقراءة فاتحة الكتاب .
بخلاف الأحاديث القدسية فلا تقرأ في الصلاة.
والقرآن الكريم لا يمسّه إلا طاهر على الأصح، بخلاف الأحاديث القدسية.
و القرآن الكريم ثبت بالتواتر القطعي المفيد للعلم اليقيني، فلو أنكر منه حرفاً أجمع القراء عليه؛ لكان كافراً، بخلاف الأحاديث القدسية؛ فإنه لو أنكر شيئاً منها مدعّياً أنه لم يثبت؛
أواستنكره نظراً لحال بعض رواته لم يكفر، أما لو أنكره مع علمه أن النبي صلى الله عليه وسلم قاله لكان كافراً لتكذيبه النبي صلى الله عليه وسلم.
من الآية165)
إن الله تعالى لما أعطاك الإيمان فضلاً ومنَّة ونعمة منه صار قلبك مزرعة لحبه سبحانه وبيَّن جل شأنه مدى حب المؤمنين لله عز وجل بقوله سبحانه : وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبّاً لِلَّهِ)فما
أشرف قلبك وما أعظمه الذي زرع فيه حب الله ؛ ولما أحببته أحبك ؛ ولما أحبك حبَّبك إلى أحبابه جل وعلا ورفع شأنك وذكرك في الملأ الأعلى وهذا قوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا
وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدّاً) (مريم:96)
أي حباً ثابتاً في قلوب الخلائق كلها ؛ فهو سبحانه يحبهم ، ويلقي محبتهم في أهل السماوات وأهل الأرض ؛ فقد أورد الإمام البخاري في صحيحه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :
إن الله إذا أحب عبداً دعا جبريل فقال : إني أحب فلاناً فأحبه ؛ فيحبه جبريل ؛ ثم ينادي جبريل في السماء فيقول : إن الله يحب فلاناً فأحبوه فيحبه أهل السماء ـ فتسمع ذلك القلوب
والأرواح ولا تنكر هذا ؛ لأن هذا يمر على قلبك وتنساه كما تنسى ما تراه في منامك ؛ وصدق خبر من لا ينسى صلى الله عليه وسلم ـ ثم يوضع له القبول في الأرض ؛ وإذا أبغض عبداً
دعا جبريل فيقول : إني أبغض فلاناً فأبغضه ، فيبغضه جبريل ، ثم ينادي في أهل السماء : إن الله يبغض فلاناً فأبغضوه ، ثم توضع له البغضاء في الأرض ـ ثم قرأ رسول الله صلى الله
عليه وسلم : (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدّاً) (مريم:96)
وإن من أحبه الله تعالى وحبَّبه إلى أحبابه فقد ضمن له سعادة الأبد ؛ وحاشاه سبحانه أن يسلبه صالح ما أعطاه من إيمان وغيره .
ولما آمنت برب العالمين شرفك بعبادته ، وطالبك بها حتى يصبغك بالصبغة الإيمانية النورانيةصِبْغَةَ اللَّهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ صِبْغَةً وَنَحْنُ لَهُ عَابِدُونَ) (البقرة:138) أي : ونحن أمة
سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم العابدون لله حق عبادته .
يقول الشيخ الإمام عبد الله سراج الدين : هذه الصبغة الإيمانية الربانية تنصبغ بها الحواس والمدارك والقلب والروح ويظهر ذلك جلياً في الآخرة : (يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ 000)
(آل عمران:106) فالأعضاء السبعة التي تشرفت بالسجود لله تعالى صار لها حصانة من العذاب ونوراً يميزها ويرشد إليها يوم القيامة ؛ حتى لو ارتكب المؤمن المصلي ذنوباً ومات
ولم يتب ولم يتطهر منها في برازخ الآخرة ؛ ولم تنله شفاعة الشافعين وأعظمهم سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ؛ ثم دخل ذلك المصلي إلى جهنم ليتطهر من تلك الذنوب فإن النار لا
تأتي على الأعضاء التي سجد عليها لله تعالى ؛ وإن ملائكة العذاب لتعرفه بذلك وفي الحديث الذي رواه الإمام البخاري في صحيحه في باب فضل السجود، ورواه أيضاً الإمام مسلم في
صحيحه في باب معرفة طريق الرؤية : 000وإن الله تعالى حرَّم على النار أن تأكل مواضع السجود من بني آدم .
قال الإمام ابن حجر العسقلاني في فتح الباري لشرح صحيح البخاري : وقيل ليس ذلك لكل من وحَّد وعبد بل يختص بمن اخلص والإخلاص يقتضي تحقيق القلب بمعناها ولا يتصور
حصول التحقيق مع الإصرار على المعصية لامتلاء القلب بمحبة الله تعالى وخشيته فتنبعث الجوارح إلى الطاعة وتنكف عن المعصية والله أعلم.
وأعضاء السجود مصبوغة بنور الله ؛ ولا تأتي النار على قلب المؤمن لأن فيه الإيمان بالله تعالى ؛ وأما الكافر فإن النار تَطّلِع على فؤاده نَارُ اللَّهِ الْمُوقَدَةُ) (6)الَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى الْأَفْئِدَةِ)
(الهُمَزة:7)
ولما شرَّفك الله تعالى بالإيجاد ، وبعبادته والصلاة والسجود له فقد شرَّفك أيضاً بالتقرب إليه فقد قال جل شأنه : (000 وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ) (العلق:19)
وكما في الحديث الذي رواه الإمام مسلم في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد فأكثروا الدعاء0
ولما وفقك سبحانه للإيمان فقد شرَّفك بذكره ؛ وحين تذكره يذكرك قال الله تعالى : (فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ) (البقرة:152)
وإذا كان ذكرك لله تعالى شرف عظيم ؛فإن ذكره لك سبحانه أعظم وأكبر ، ولا مناسبة بين ذكرك له وذكره لك قال جل شأنهوَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ )(العنكبوت: من الآية45)
وفي الحديث القدسي الذي يرويه النبي صلى الله عليه وسلم عن ربه : أنا عند ظن عبدي بي ، وأنا معه حين يذكرني ، فإن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي ، وإن ذكرني في ملأ ذكرته
في ملأ خير منه .
أورده الإمام البخاري في صحيحه في كتاب التوحيد ؛ والإمام مسلم في كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار.
والحديث القدسي: هو كل ما رواه النبي صلى الله عليه وسلم عن ربه عزّ وجل.
التقديس لغة : تنزيه الله تعالى، والتقديس: التطهير والتبريك، وتقدس: تطهر، ومنه: البيت المقدس؛ لأنه يتقدس فيه من الذنوب، أي يتطهر، وفي القرآن الكريم على لسان
الملائكة:وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ)(البقرة: من الآية30)
قال الإمام اللغوي أبو إسحاق إبراهيم بن السَّرِي الزجاج المتوفى سنة (311) هجرية : معنى نقدس لك، أي : نطهر أنفسنا لك، وكذلك نفعل بمن أطاعك، نقدسه: أي نطهره، وفي
الحديث الذي رواه الإمام الطبراني : لا قدست أمة لا يؤخذ لضعيفها من قويها.
أي: لا طهرت .
والحديث القدسي اصطلاحا: هو ما أضافه النبي صلى الله عليه وسلم إلى ربه من غير القرآن الكريم .
لأنه منسوب إلى النبي صلى الله عليه وسلم تبليغاً، وليس من القرآن بالإجماع، وإن كان كل واحد منهما قد بلَّغه النبي صلى الله عليه وسلم أمته عن الله عزّ وجل.
و الحديث القدسي معناه من عند الله ولفظه لفظ النبي صلى الله عليه وسلم ، وذلك لوجهين:
الوجه الأول: لو كان الحديث القدسي من عند الله لفظاً و معنى؛لكان أعلى سنداً من القرآن؛لأن النبي صلى الله عليه وسلم يرويه عن ربه تعالى بدون واسطة؛كما هو ظاهر السياق، أما
القرآن فنزل على النبي صلى الله عليه وسلم بواسطة أمين الوحي جبريل عليه السلام؛كما قال تعالى:: (نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ*عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ * بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ)
(الشعراء:193-195)
الوجه الثاني:أنه لو كان لفظ الحديث القدسي من عند الله تعالى ؛لم يكن بينه وبين القرآن فرق؛ لأن كليهما على هذا التقدير كلام الله تعالى،والحكمة تقتضي تساويهما في الحكم حين اتفقا
في الأصل.
ومن المعلوم أن بين القرآن الكريم والحديث القدسي فروق كثيرة:
القرآن : نزل به جبريل عليه الصلاة والسلام على نبينا محمد عليه الصلاة والسلام ، والوحي أنواع .
أما الحديث القدسي فلا يُشترط فيه أن يكون الواسطة فيه جبريل ، فقد يكون جبريل هو الواسطة فيه ، أو يكون بالإلهام ، أو بغير ذلك.
القرآن الكريم : مقسم إلى سور وآيات وأحزاب وأجزاء .
أما الحديث القدسي : فلا يُـقسّم هذا التقسيم .
القرآن الكريم : مُعجز بلفظه ومعناه .
أما الحديث القدسي : فليس كذلك على الإطلاق .
القرآن الكريم: لا تجوز روايته أو تلاوته بالمعنى .
أما الحديث القدسي : فتجوز روايته بالمعنى .
القرآن الكريم: كلام الله لفظاً ومعنى .
أما الحديث القدسي : فمعناه من عند الله ولفظه من عند النبي صلى الله عليه على آله وسلم.
القرآن الكريم: تحدى الله تعالى به العرب بل العالمين أن يأتوا بمثله لفظاً ومعنى وأما الحديث القدسي : فليس محل تحد .
و الحديث القدسي لا يتعبد بتلاوته،بمعنى أن الإنسان لايتعبد الله تعالى بمجرد قراءته؛فلا يثاب على كل حرف منه عشر حسنات،والقرآن يتعبد بتلاوته بكل حرف منه عشر حسنات.
و القرآن الكريم محفوظ من عند الله عزّ وجل؛ كما قال سبحانه: (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ) (الحجر:9) ؛ والأحاديث القدسية ليست كذل.
و القرآن الكريم لا تجوز قراءته بالمعنى بإجماع المسلمين، أما الأحاديث القدسية؛ فعلى الخلاف في جواز نقل الحديث النبوي بالمعنى والأكثرون على جوازه .
و القرآن الكريم تشرع قراءته في الصلاة، ومن لم يقرأ بفاتحة الكتاب فلا صلاة له فقد أورد ابن حجر العسقلاني في فتح الباري لشرح صحيح البخاري أن النبي صلى الله عليه وسلم
قال : لا صلاة إلا بقراءة فاتحة الكتاب .
بخلاف الأحاديث القدسية فلا تقرأ في الصلاة.
والقرآن الكريم لا يمسّه إلا طاهر على الأصح، بخلاف الأحاديث القدسية.
و القرآن الكريم ثبت بالتواتر القطعي المفيد للعلم اليقيني، فلو أنكر منه حرفاً أجمع القراء عليه؛ لكان كافراً، بخلاف الأحاديث القدسية؛ فإنه لو أنكر شيئاً منها مدعّياً أنه لم يثبت؛
أواستنكره نظراً لحال بعض رواته لم يكفر، أما لو أنكره مع علمه أن النبي صلى الله عليه وسلم قاله لكان كافراً لتكذيبه النبي صلى الله عليه وسلم.
[/size]